نظام التعليمي الفنلندي ، خصائصه ومفارقاته .
قد يتساءل سائل عن سر تفوق النظام التعليمي
في فنلندا ، أو قد يتساءل عن ما يميز النظام التعليمي الفنلندي - الأول عالميا -عن باقي الانظمة التعليمية .
![]() |
نظام التعليم بفنلندا الارقى عالميا |
إن من سر تفوق التعليم الفلندي تتجلى في الخطة التي جاء بها الاب الروحي لهذا التعليم وهو " باسي سالبرغ " وتتجلى هذه الخطة في ما أسماه القضاء
على جراثيم التعليم وهي : تكثيف المواد، كثرة الاختبارات والواجبات،
إطالة أوقات الدوام، الدراسة المنزلية والدروس الخصوصية، كلها أساليب يؤكد سالبرغ
أنها جراثيم قادرة على هدم أي نظام تعليمي يتكئ عليها، لأنها ممارسات غير تربوية من شأنها إرهاق الأستاذ والتلميذ معًا، وإضعاف
عملية التعليم ككل. .
وفي هذا المقال سنتطرق لأهم الخصائص التي
يتميز بها التعليم في فنلندا و التي استطاعت أن تجعله رائدا في المجال التربوي و
محط اهتمام مختلف البلدان التي تسعى لتطوير تعليمها .
خصائص التعليم الفنلندي
لا توجد اختبارات موحدة : تؤمن المدارس الفنلندية بأنه كلما قضى الطالب
وقتا أطول في التحضير لاختبار، كلما قلت فرص قيامه بالتفكير والتساؤل الحر، إذ يتم
قياس مستوى الطلاب من قبل خبراء ومعلمين داخل الفصول الدراسية.
الثقة الكاملة في المعلمين
ليس ثمة نظام
تقييمي رسمي لتقييم المعلمين، فمكانة المعلمين في فنلندا تعد بمثابة مكانة الأطباء
في الولايات المتحدة، هم خبراء جديرون بالثقة. *
تقدير المعايير الوطنية : تستعين فنلندا بمعايير وطنية في التربية والمعلمون
لديهم استقلالية في تصميم المناهج وكيفية تنفيذ هذه المعايير ، فهم لا يستنسخون
تجارب الدول الاخرى .
مدارس ذات جودى موحدة : لا وجود لنظام تقييم للمدراس في فنلندا
على اعتبار أن جميع المدارس جيدة ، ولعدم وجود حواجز للتنافس لم تعد هناك حاجة
لبرامج اختيار المدارس حسب ما تقدمه من مناهج مثلا .
تكافؤ الفرص و المساواة في التعليم
: كفاءة تلميذ العاصمة هي نفسها كفاءة تلميذ
القرية النائية والفارق بين التلميذ الأفضل والتلميذ الأسوأ هو الأصغر في العالم ،
وبناءاً على ذلك فان التعليم في فنلندا متساوي للجميع وهو مبني على المساواة لا
على التفوق.
قلة ساعات التمدرس :فطلاب المدارس الابتدائية يقضون معدل من 4
إلى 5 ساعات في اليوم. عدد أيام الدوام المدرسي ۱۹۰يوما سنويا وعدد الساعات اليومية تتراوح ما
بين ٤ إلى ۷ ساعات ولذلك فالطالب الفنلندي يقضي أقَّل عدد من الساعات في الصّف مقارنة مع الدول
المتقّدمة الأخرى.
حرية اللعب : يؤمن الناس في فنلندا بأن الأطفال يتعلمون عن
طريق اللعب، واستخدام المخيلة، والاستكشاف الذاتي، فالمعلمون لا يسمحون لطلابهم
باللعب فقط بل يشجعونهم على ذلك.
احترام الحاجيات الشخصية : للطلاب الحق في أخذ استراحة لمدة 15 دقيقة
بعد كل 45 دقيقة، فالفنلنديون يؤمنون بأن القدرة على المشاركة والتعلم تنجح أكثر
بوجود فسح فردية لكل طالب بين الحين والآخر لإعادة التركيز. ومشاركة الطلاب الصفية
تثمر بنتائج طيبة، كونهم موقنين أن احتياجاتهم الشخصية من وقت للعب أو التحدث مع
أقرانهم أو القراءة بهدوء مقدرة من قبل الآخرين. والخروج المتكرر إلى الهواء الطلق
–على سبيل المثال- يشجع العادات الرياضية الصحية.
* معلمون ذوو تكوين عال : لتصبح معلما في فنلندا، عليك تخطي عملية في
غاية الصعوبة والتحدي، حيث أن وحدهم المعلمون المتفوقون يقبلون في مجال التربية.
إن الجامعات –على سبيل المثال- ملتزمة باختيار أفضل المعلمين المحترفين في هذا
المجال. فإلى جانب حصوله على درجات عالية في الاختبارات، يجب على المتقدم لشغل هذا
المنصب المرموق في الدولة أن يجتاز مقابلة تهدف إلى التحقيق في مدى تمسكه
بأخلاقيات وقيم التربية، ومدى شغفه بالتدريس، وتوسع تعليمه، كما أن برامج تخريج
المعلمين تعتمد على البحوث العلمية، حيث يتخرجون بدرجة الماجستير إلى جانب نشرهم
لأطروحة تخرج.
تخفيف الاعباء على المعلم يؤمن النظام الفنلندي بأن المعلم السعيد هو
معلم فعال، والمعلم الذي تفرض عليه أعمال وأعباء فوق طاقته لن يتقدم. لذلك
فالمعلمون في فنلندا يعملون حوالي 20 ساعة في الأسبوع ويكرسون باقي وقتهم لحياتهم
الشخصية ، مرّتب المعلم لابأس به ٬ حوالي ۲٥۰۰ يورو شهريا.
تعليم موجه : بعد عمر السادسة عشر يقوم الطلاب بالاختيار ما
بين مسارين في المرحلة الثانوية وهما اللياقة البدنية (أكاديمية التلقين) والمدارس
المهنية، وكلا المسارين محبب لدى المجتمع الفنلندي. المدرسة المهنية من أفضل
المدارس المهنية بمرافقها التي تضمن وجود بنية تعليم تطبيقي تفوق تلك في جامعات
الولايات المتحدة.
وبإمكان الطلاب
الذين يتخرجون من أي من هذين النوعين من المدارس الالتحاق بالجامعة.
وسط تعليمي يغلب عليه التعاون بدل
التنافس: إن بنية المدارس التحتية مصممة لتشجع التعاون، حيث تتفرع
الفصول الدراسية من غرفة موحدة للتعليم المشترك حيث يلتقي الطلاب من القاعات
الأخرى والمراحل الدراسية المختلفة ليعملوا معا جنبا إلى جنب، مع المعلمين -أيضا-
فيختلطون في بيئة تعليمية يسودها التعاون. فلدى طلاب الثانوية اماكن خاصة بهم
للجلوس والعمل معا أو الاسترخاء، ويتنقل الطلاب بحرية في أرجاء المدرسة بوجود
إشراف طفيف من قبل هيئة التدريس، في حين أن غرفة المعلمين كالبيوت الشمسية
تسمح لضوء الشمس بالدخول وللنباتات بالنمو، حيث يتوافر لديهم كراسي للمساج،
وحواسيب شخصية متنقلة تمكنهم من العمل معا بكل أريحية.
تعليم مجاني : التعليم مّجاني في كل مراحله وفي المرحلة
الإلزامية الوجبات والكتب والقرطاسية مّجانية أما في المرحلة الثانوية فعلى الطالب تحّمل تكاليف
الكتب والقرطاسية ،شعار التعليم الفنلندي المجاني ”لن ننسى طفلا“.
الرفاهية في التعليم : الواجبات المنزلية نادرة، و للتلاميذ وجبات طعام مجانية ومواصلات مجانية
والمستلزمات الدراسية (كتب، دفاتر…) مجانية أيضاً ، و للتلاميذ الأقل كفاءة الحق في الحصول مجاناً
على كل أنواع المساعدة من أساتذة متخصصين وأطباء نفسيين وإختصاصيي تقويم اللغة
واللفظ إلخ.
قلة الاداريين في المدرسة : المدرسة في فنلندا بها 900 تلميذ
تقريباً يديرها 7 أشخاص فقط، مما يقلل النفقات على الدولة .
الاهتمام باللغة : عندما يبلغ الطالب الفنلندي الثالثة
عشرة من العمر يكون قد درس جيدا ثلاث أو أربع لغات٬ الفنلندية والسويدية٬ لغتي
البلاد الرسمّيتين٬ الإنجليزية ولغة عالمية أخرى كالفرنسية أو الإسبانية أو
الروسية
مفارقات التعليم الفنلندي
هذه بعض المفارقات التعليمية التي ربما لم
يعتد عليها النوع البشري القاطن خارج نطاق الجغرافيا الفنلندية، علينا أن نصدق أن
هناك شعبًا كاملًا يمارسها بشكل اعتيادي، واستطاع أن يتفوق بها على الشعوب الأخرى.
أولا . تدريس أقل = تعلم أكثر
لم تثبت العلاقة بين زيادة أوقات الدراسة
والتفوق، بل لوحظ أن
الدول التي يتفوق طلابها كانت تقلل من ساعات دوامها المدرسي، في حين الدول التي أظهرت تدنيًا في مستويات طلبتها هي التي كانت تعتمد
على زيادة ساعات الدراسة.
مفارقة «التدريس الأقل» تقضي على الخرافة
السائدة عن أن الطالب يتقدم تعليميًّا بمضاعفة ساعات تدريسه في الصف، عند ساعات
الاستراحة، في البيت، خلال العطلة، في الطريق، إلخ.
ومن تطبيقات هذا التقليل في فنلندا:
- الطلاب الفنلنديون هم الأقل مكوثًا في المدرسة
- البيوت الفنلندية تخلو من الدروس الخصوصية
- المعلمون الفنلنديون يقضون ساعات تدريس أقل من البلدان الأخرى
- الطالب الفنلندي هو الأقل قلقًا
- المدرسة الفنلندية تفوقت عالميًّا خلال سنوات قليلة أيضًا
ساعات التعليم الصباحي كافية للطالب
والمدرس، لا داعي للاستحواذ على ما تبقَّى من اليوم.
ثانيا . تفاصيل تخصصية = معرفة معزولة
بعيدًا عن الحفظ والحشو والتلقين، يحذر
سالبرغ ( الاب الروحي للتعليم الفنلندي ) من إلزام الطالب بمعلومات تفصيلية لا يتداولها
إلا أهل التخصص الدقيق، يسميها «المعرفة المعزولة».
المواد التدريسية الفاعلة يجب أن تركز على
تربية الطالب في الجوانب التالية:
1. التفكير الإبداعي
2. الضمير الأخلاقي
3. المهارات التواصلية
4. الموهبة الخاصة
هذه موضوعات دراسية لا تتطلب استظهار
مصطلحات جامدة هو في غنى عنها الآن، ولا تستلزم حفظ نصوص مطولة لم يحفظها كُتَّابها
الأصليون أساسًا، ولم يطلبوا من قرائهم فعل ذلك.
إلزام النشء بهذه «المعارف المعزولة» سبب كاف
لنفورهم من التخصص بها مستقبلًا، وقدرة الطالب على إبداع أفكار جديدة أهم من قدرته على تلقي معلومات
جديدة، وتعليمه التفكير الابتكاري لا يقل عن أهمية تعلمه القراءة والكتابة والحساب.
ثالثا . مدرسة خالية من الاختبارات
يطلق على المدارس في فنلندا: «منطقة خالية
من الاختبارات».
السلطات في فنلندا غير مقتنعة بمردود سياسة
الاختبارات، والتوصيف الوظيفي للمدرس الفنلندي محدد بمساعدة كل طالب لفهم المادة داخل
الصف، دون ملاحقته بالامتحانات الطويلة والقصيرة والمفاجئة، أو مواسم الرعب
النهائية.
إذا اطمأن الطالب في يومياته الدراسية،
استطاع أن يفكر ويعبِّر ويتطور. أما التشديد والتهديد بالاختبارات، فإن له عواقب
انسحابية خطيرة، ابتداءً بمشاعر التوتر والقلق، مرورًا بالضغوطات النفسية الحادة،
وصولًا في حالات مؤسفة إلى المفاصلة بين التعليم أو الحياة.
دور المدرسة أكبر من أن تحكم على طالب من
خلال ورقة، والتعليم أسمى من تلك الوصوم التي تُوزَّع على الصغار في بداية حياتهم،
التعليم ليس للتقييم.
يُمنَع إعطاء الطلاب شهادات تحدد مستواهم
بالدرجات والتقديرات في مراحل التعليم الأولى تجنبًا للتصنيفات والمقارنات المبكرة بين الأقران، (ممتاز، جيد،
مقبول، راسب...) هذا ممنوع. وبعض وسائل الإعلام الفنلندية تجتهد في وضع ترتيب
لمستويات المدارس بين يدي الجمهور، لكن الغريب أن هذه الأخبار لا تحظى باهتمام
الشعب الفنلندي.
رابعا . أفضل تعليم بأقل تكلفة
مفارقة محرجة بعض الشيء: الدول التي صرفت الأموال، واتَّبَعت استراتيجية واضحة
لتتصدر العالم تعليميًّا (أمريكا مثلًا) لم تنل هذا اللقب، بينما الدول التي لم
تسعَ للأفضلية يومًا، ولم ترفع ميزانيتها التعليمية، وإنما اكتفت ببعض التحسينات
التي توفر عليها التكاليف الباهظة، هي التي تبوأت القمة (فنلندا طبعًا) .
ليست هناك تعليقات